الاثنين، 22 مايو 2017

تبلّد


رمَى أوراق الفواتير المتكدّسة أرضًا ، و ضرب الطاولة بِشدة 

كشّر في وجههَا صارخًِا : 

ـ ألا تشعرين ؟ هل أنتِ متبلدّة ؟ هل زوجتي مصابة بِمرض نفسي ...

بدأ يحرك يديهِ بعشوائية : أختي تُهينكِ مِن جهة ، وأمي تصرخ في وجهكِ أمـام قريباتي مِن جهةٍ أٌخرى ، طفلكِ يتعرض للضرب وتبتسمين ببلاهة في وجه مَن يستسمح إليكِ ، اسمع همسات نسوة جيرانِنا وهن يسخرن منكِ ومن شخصيتكِ الضعيفة . 
لم تتناولي شريحة لحمٍ مُنذ شهر ، لم تدخل الشوكولا في فم طفلكِ مؤخرًا ، لكنكِ تستمرين بالإبتسام ، وتقابلينني كُل يوم بِضحكة وروحٍ جميلة ..

رمى جسده النحيـل على الكرسي و أكمل بِتثاقل : أنـا تعِبت من برودتك 
ألا تتعبين أنتِ ؟

رمقته زوجته بنظره موّبخة بينما ظهرها منحنٍ تلملم الأوراق المُلقاة في كُل مكان ، 
وضعتها أمـامه بعدما رتبّتها جيدًا ، ابتسمت بِخفة وهمست بِصوتها النـاعم :
ـ  أتريد أن تعرف السر ؟ 
سرّ البقـاء صامدة وقوية ومبتسمة ، سرَ الروح الجميلة دائِمًا ، أتريد ؟ 
أومأ الزوج السـاخِط برأسه
لُتكمل كلامها وهيَ تنظُر إلى أطراف أصابعها :
عندمـا تنتهي مِن مُكالمةٍ مـا ،تكون قد طلبت فيها مساعدةً مِن أحد ورفض ذلك ، أنت تغضب في وقتها و تحطّم الأشيـاء من حولك ، بينما أنـا أٌلملم ما حطمت وأرمي في داخلي ، عندمـا تصلك رسالة  تحذيرية مِن البنك ونحن نشـاهد التلفاز أنت تُطفئ التلفـاز بغضب و تذهب إلى الغرفة شاتمًا وساخطًا على كُل مـا أمامك أنـا أبلع غضبي ، وأتيك بكوبٍ مِن الحليب البـارد أو عصيرٍ مُنعش ، عندمـا يتقيأ طفلنا عليك بعد أن خرجت مؤخرًا من حمامك البـارد أنت تصرخ قـائلًا بأن لا حظ جيد لديك في أي شيء ، بينما أٌسكتُ الطفل وامسح الأرض و أهرع لأغيّر لك ثوبك .. في خضم كُل هذه الأحداث وفي نهاية اليوم أنت مـاذا تفعل ؟ 
أجاب الزوجُ مُطأطأً : ماذا أفعل ؟ 
الزوجة بابتسامة صفراء : تذهبُ للنوم ، وأنـا ماذا أفعل ؟ 
الزوج بدونِ تفكير : للإستحمام وشرب النعناع الدافئ ، إنك تفعلين ذلك منذ تزوجنـا . 
غرست أنـامِلها وسط شعر زوجها الكثيف : لقد توقفت عن هذه العـادة مذ رزقنا بإبننا الوسيم .
ـ إذًا مالذي تفعلينه بشكلٍ يومي ؟! 
ـ أذهب إلى غرفة المعيشة ، أوصِدُ الأبواب جميعها من خلفي أحرص على التأكد مرّة واثنتين وثلاثة مِن تعمقكِ في النوم ثُم ..
الزوج بفضولِ شديد : ثم؟ 
ـ أُطلق العنان لدموعي المحبوسة ، ومـا رميته داخلي ، غضبي الذي لا أٌظهره أثناء النهار وأبلعه في كُل موقف أٌخرجه على شكل شهقاتٍ مكتومة وأحيـانًا مسموعة في آخر الليل ، أملك وسِادة في المخزن ، أحيـانًا إذا سمعت التوبيخ من أُمك وكـان حزني ذلك اليوم سيء أعضّ على الوسادة بِشدة حتى أشعر بألآمٍ في أسناني ، أبقى على هذه الحالة وسط بكـائي حتى أشعر بطاقة اليوم السلبية بالاختفاء ، ثم ارسم ابتسامة و تكون هذه الابتسامة هيَ مـا أٌقابلكم بِها صباحًا . 

هل لا زلت تعتقد بأنني بـاردة ومُبتلدة ؟ 
 ...

إخفـاء من أمامك لمـشاعره و إدّعاءه بالبرود واللامبـالاة لاتعني بأنه لا يشعر 
أو أن قلبه متبلّد فعلًا ، رُبمـا مـا في داخِله ضجيجٌ لايهدأ ، وعواصف هـاِئجة . 
اِرحم النـاس من تعليقاتك القـاسية ، وكلماتك " المبتلدّة " التي تتهمهم بالتبلّد .
فليس خلف كل ابتسامة جميلة قلبٌ هانئ :) 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق